السلام عليكم،
هذا هو موضوع "اشكالات فلسفية في فكرة الإله الإسلامي" الذي وعدت بطرحه. و لكني تأخرت في الطرح لأسباب كثيرة يطول شرحها.
هذه المرة، سأقوم بطرح نفس الإشكالات بطريقة مختلفة بعد أن قمت بإعادة صياغتها و إضافة بعض التعديلات التي تجعل الأمور أوضح و أكثر اختصاراً للوقت. قمت أيضاً على قدر المستطاع بحذف كل ما هو مستفز و غير لائق بأن يكتب في منتداكم المحترم.
لمن يحب الإطلاع، الموضوع مازال موجوداً بمنتداه الأصلي.
سأستعرض نقاطي على شكل سؤال و جواب.
لنبدأ،
اشكالات فلسفية في فكرة الإله الإسلامي
المعروف عن المسلمين أنهم يؤمنوا بأن الله عادل، رحيم، و بكل شيء عليم. سأستعرض بعض النقاط التي في رأيي تتعارض مع هذه الصفات. أود أن يرد الإخوة المسلمون على هذه الإشكالات.
1- الإستشارة في الخلق:
وفقا للدين الإسلامي، الله هو خالق الكون. و قبل خلق الكون لم يكن هناك شيء على الإطلاق إلا "الله" فقط. أي أننا جميعا لم نكن موجودين و كان هو فقط و لاشيء آخر. المتفق عليه أن الله في لحظة معينة بعد كل هذا اللاشيء، بدأ في خلق الكون و ما عليه ثم خلق البشر.
بداية نقول:
س: كيف يخلق الله البشر من العدم من دون استشارتهم؟ هم كانوا في حالهم في العدم، من قال أنهم يريدون تحمل كل هذه المسئولية؟
ج: الله عرض الأمانة على السماوات و الأرض و رفضوها، و عرضها على الجبال فرفضتها. و لكن بنو آدم قبلوا هذه الأمانة، و بالتالي فهم من اختاروا و عليهم تحمل المسئولية.
التحليل:
إجابة السؤال مغزاها الرئيسي هو اسقاط تهمة الظلم عن الله على أساس أن موافقة الإنسان هي التي حسمت الأمر، حيث أنه لو كان الإنسان وافق فهو المسئول عن اختياره، و لو كان غير موافق لكان ذلك ظلماً. و بما أن موافقة الإنسان (أو عدمها) على خوض التجربة هي الفيصل في تحديد العدل الإلهي، فمعنى ذلك أنه إذا كان الله عادلاً فلا بد أنه:
1- أن جميع البشر الذين ُخلقوا وافقوا على حمل الأمانة بلا أدنى استثناء.
2- أو أن هناك من هم رفضوا الأمانة و عادوا للعدم تحقيقاً للعدل.
لو كان الله فعلاً عادلاً بنسبة مائة بالمائة، فهذه هي الإختيارات الموجودة.
بالنسبة للإحتمال الثاني: إذا كان الله أعاد الناس الذين رفضوا الأمانة للعدم، فهل يوجد أي سند أو دليل إسلامي يدل على هذا؟ ما الذي يجعل مسلم يؤمن باحتمال كهذا إذا كان لا وجود لسند له في القرآن أو في السنة؟
أما بالنسبة للأول:"أن جميع البشر الذين ُخلقوا وافقوا على حمل الأمانة بلا أدنى استثناء".
فهو يفترض أن كل إنسان عاش في التاريخ و يعيش الآن و سيعيش في المستقبل، عرضت عليه الأمانة يوم ما و وافق عليها. هناك من يؤمنوا بأنها عرضت على آدم فقط و قبلها، و أتينا نحن من بعد ذلك.
أحب فقط أن أنتهي من هذا الإفتراض سريعاً و أوضح أنه في رأيي قمة في الظلم. و ما ذنبي أنا إذا كان آدم وافق أن يتحمل الأمانة؟ أليس من الممكن ألا أريد أنا أن أتحملها و أطالب بالعودة للعدم؟ هذا لا يختلف كثيراً عن مبدأ الخطيئة الموروثة عن آدم الموجود في الديانة المسيحية.
إذا كان من غير المنطقي أن نرث أخطاء آدم، فمن غير المنطقي أيضاً أن نرث الأمانة التي لم نوافق نحن على تحملها و إنما وافق هو.
الآن، و بما أننا اتفقنا أن الإنسان وافق على تحمل الأمانة، فمعنى ذلك أنه لم يرى من مانع قوي ليجعله يرفض، فضلاً عن أنه في الغالب أيضاً أعجبه الموضوع و اهتم به كفاية بحيث يقبل قراراً مصيرياً كهذا.
و بما أننا اتفقنا أيضاً أن كل بشر عرفه التاريخ قبل الأمانة، إذاً، فمن ضمن من قبلوا الأمانة هم ناس كانت مثلاً حياتهم في الدنيا سيئة جداً جداً لدرجة أنهم انتحروا من كثرة وحشية الحياة.
إذاً نحن الآن أمام حقائق لا تقبل النقاش.
س: هل حدث من قبل و عاش في التاريخ بشراً عانوا في حياتهم معاناة مريعة لا توصف إلى حد الإنتحار؟
ج: نعم. حدث كثيراً.
س: ما هو مصير المنتحر؟
ج: النار.
س: هل المنتحر هذا من ضمن هؤلاء الذين قبلوا بخوض الحياة الدنيا عندما عرضت عليه؟
ج: نعم.
س: و لماذا قبلها؟
ج: لأنه لم يكن يعرف أن كل هذه المصائب ستحدث له.
س: هل يمكن أن يكون عرف هذه الأشياء و مع ذلك قبلها؟
ج: لا طبعا.ً لأن الإنتحار عقابه جهنم، و لا يمكن أن يختار أحد شيئاً هو يعرف أنه يؤدي إلى جهنم بكامل إرادته.
س: يعني هو لم يكن يعرف أنه سينتحر؟
ج: طبعاً لأنه لو كان يعرف أن حياته ستكون بهذا السوء و تنتهي بالإنتحار و بالتالي جهنم، ما كان ليوافق.
س: هل كان هناك من يعرف أن كل هذا سيحدث؟
ج: نعم. الله كان يعرف.
س: لماذا تقول أنه كان يعرف؟
ج: لأنه بكل شيء عليم.
س: يعني الله كان يعرف أن كل هذا سيحدث حتى قبل أن يخلق البشر أجمعين؟
ج: نعم.
س: و الله كان يعرف أن الإنسان الفلاني هذا سيوافق على الإختبار و كان يعرف أنه سيرسب فيه و يدخل النار و لم يرحمه من اختياره؟
ج: نعم.
س: هل كان الله في شك مثلاً أن الإنسان هذا قد يعمل صالحاً؟
ج: لا. كان على يقين تام أنه سيدخل النار.
س: إذاً، الله خبأ عنه هذه المعلومة؟
ج: لا توجد اختيارات أخرى. لا يوجد اختلاف أن الله كان يعلم هذه المعلومة. و لو كان قد قالها له فطبعاً لم يكن هذا الإنسان ليوافق على أن يدخل الجحيم. و لكن الإنسان هذا وافق! إذاً معنى ذلك أنه لم يكن يعرف أنه ذاهب للنار. أي أن الله خبأ عنه المعلومة.
س: يعني لا جدال أن الإنسان هذا لم يكن يعرف أنه سيدخل النار؟
ج: نعم. طبعاً.
س: و الله كان يعرف أن هذا الإنسان سيدخل النار؟
ج: طبعاً.
س: و الله كان يعرف أن هذا الإنسان لو عرف معلومة كهذه (أنه سيدخل النار) كان سيتراجع على الفور؟
ج: نعم. طبعاً.
س: و مع ذلك تركه بدون أن يقول له؟
ج: نعم.
س: أكيد الله لن يخبىء معلومة قيمة كهذه على الإنسان هذا. لا بد أن الله لم يكن متأكداً من مصير هذا الإنسان.
ج: الله يعرف كل شيء بأدق التفاصيل، و هو على يقين أن هذا الإنسان سيدخل النار.
س: حتى لو أعطاه مطلق الحرية؟
ج: حتى لو أعطاه مطلق الحرية.
س: هل إعطاء الناس مطلق الحرية يلغي كون الله يعلم بمصائر الناس "مطلقي الحرية"؟
ج: لا. سواء أعطى الله الناس مطلق الحرية في التصرف أم لا، فهو في جميع الحالات يعرف مصائر جميع البشر بأعلى دقة
ممكنة. و الموضوع لا علاقة له بكون الإنسان حر أم لا. الله يعلم كل شيء في كل الحالات.
س: إذاً، الله كان يعرف أنه حتى إذا أعطى هذا الإنسان المنتحر مطلق الحرية في الإختيار، أن تصرفات هذا الإنسان المبنية على حريته الشخصية ستؤدي به للنار؟
ج: نعم.
س: و مع ذلك، و برغم علمه بكل هذا، عرض عليه الأمانة؟
ج: نعم.
س: و رآه و هو يوافق و تركه؟
ج: نعم.
س: لابد إذاً أن الله مجبر على فعل هذا، لأن الرحمة تقتضي أنه إذا كنت أرحم الراحمين، و لست رحيماً فقط، و كنت تعلم أن الإنسان البسيط الجاهل بمصيره هذا سيدخل النار حتى لو أعطيته الحرية الكاملة، فلا بد أن تنقذه من اختياره هذا؟
ج: لا. الله ليس مجبراً على شيء.
س: إذا كان غير مجبراً على شيء، و مع ذلك ترك الإنسان الضال هذا يختار اختياره الهالك بدون ما يحذره، إذا فلا بد أنه غير رحيم به؟ لو كان رحيم لرحمه من هذا الإختيار الذي سيلقي به في نار تلظى؟
ج: لا. الله رحيم. الله رحيم رحمة مطلقة و هو أرحم الراحمين.
س: يعني الله ليس مجبراً على شيء و رحيم رحمة مطلقة في نفس الوقت و فعل لك ذلك في نفس الوقت أيضاً؟
ج: نعم.
س: هل أخبر الله الإنسان الذي كان يعرف أنه سيدخل النار، أن هناك جنة و أنه إذا فعل الصالحات سيدخلها؟
ج: نعم. أخبره طبعاً بأن هناك ثواب و عقاب.
س: يعني، الله أخبر هذا الإنسان أن الجنة تنتظره إذا عمل الصالحات، و كان يعلم أنه لن يعمل الصالحات هذه؟
ج: نعم.
س: يعني كان يعشمه بالجنة و هو يعلم أنه لن يذهب إليها؟
ج: نعم.
س: هل كان يستطيع الله ألا يخلق البشر الذي كان يعرف أنه إذا خلقهم سيدخلوا النار؟
ج: نعم. كان يستطيع ألا يخلقهم و كان ذلك سيرحمهم من العذاب اللانهائي الخالد في جهنم.
س: و مع ذلك خلقهم؟
ج: نعم.
س: ماذا كانت البدائل؟ (لو كان رحيماً)
ج: إما عدم الخلق، أو الخلق و إنقاذ الإنسان من اختياره لما يجهله.
س:و ماذا يحدث في الواقع؟
ج: يتم الخلق و عدم انقاذ هذا الإنسان من اختياره لما يجهله.
س: إذاً لابد أن الله يحتاج هؤلاء البشر؟
ج: لا.
س: إذاً، ما الحاجة الماسة لإله لا يحتاج شيئاً في أن يخلق بشراً هو على يقين تام أنهم سيخلدوا في النار حتى و لو أعطاهم الحرية في الإختيار؟
ج: أن يعبدوه. لا توجد حاجة لذلك أيضاً. الله لا يستفيد بعبادتهم له. هم فقط يتضرروا إذا لم يفعلوها. بل و يتضررون جداً جداً جداً.
س: يتضررون إلى أي مدى؟
ج: إلى مدى لا يمكن وصفه. لا يمكن لعقل بشر أن يتخيله. هول عظيم عظيم. و هذا الهول خلقه أرحم الراحمين.
س: و لماذا كل هذا العذاب الرهيب؟ أليس الله حكيم؟ لماذا ينتقم بهذه الصورة المفزعة من البشر المساكين بالنسبة له؟ أليس المعروف أن يفهم الحكيم (مطلق الحكمة) من أين نبعت تصرفات هؤلاء البشر المساكين، تماماً كما نفهم نحن كيف أن الأطفال يتصرفوا؟ (مع الفارق المهول)؟
ج: هذا هو ما يستحقه الإنسان لأنه قبل الأمانة. و بالتالي فهو مسئول عن تصرفاته.
تعقيب على موضوع "الإنسان مسئول عما يحدث له لأنه هو من اختار"
مثال:
لنفترض أن:
- الإنسان بعدما خلقه الله، وافق 100% على مبدأ أنه سيتم عقابه إذا عمل شراً و إذا عمل شراً سيدخل النار و مع ذلك وافق (على أمل أنه سيحاول ما بوسعه أن يتجنبها(
- الإنسان حر تمام الحرية في اختياراته و 100% من أفعاله نابعة من اختياراته الشخصية بدون أدنى تدخل إلهي على الإطلاق.
أعتقد أن هذا يخلي مسئولية الله الكاملة الآن.
الآن، الله برغم أنه لا يتدخل على الإطلاق في تصرفات (أحمد) مثلاً، إلا أنه يعلم أن أحمد (و من دون أن يلمسه الله) ستؤدي به تصرفاته للنار. و الله كان يعرف ذلك من قبل أن يخلق أحمد.
المبدأ التي يحاول المسلمون اقناعنا به هو أن أحمد الذي اختار بنفسه ذلك، إذاً عليه تحمل المسئولية (و ليس الله). طيب و هو مين اللي خلق أحمد هذا الذي سيختار اختيار هو مش قده؟ مين اللي كان أمامه الإختيار أن لا يخلق هذا الأحمد الذي إذا ُخلق سيفعل كذا و كذا؟
أليس الإمتناع عن خلق أحمد رحمة له؟ (في ظل معرفة أنه سيدخل النار و لو حتى بإرادته؟)
هل أحمد هو المسئول عن وجوده في الدنيا كذلك؟ أم الله؟ هل جاء أحمد فجأة و ظهر و قال أنا أريد أن أتحمل المسئولية؟ أم أن الله هو الذي خلقه ثم بعدما خلقه حمله أمانة هو يعرف أنه غير قادر عليها؟
هذه نقطة. النقطة الأهم هي:
أن هذا المبدأ (مبدأ أنت المسئول عن تصرفاتك) هو مبدأ دنيوي بحت و لا يعمل إلا بمقاييس الدنيا و لا يمكن أن ينسب لله.
لماذا؟!
لأن الله ليس كالبشر. مبدأ (أنا لست مسئولاً) هذا مبدأ بشري منبعه الأساسي هو إخلاء المسئولية الشخصية (منعا ًللضرر) أو (منعاً للمزيد من الضرر).
يعني مثلا في شركات التأمين، الشركة تكتب معك عقد- (و العقد هو اتفاق) - و قد يأتي في تفاصيل العقد أن الشركة (غير مسئولة) عن إصلاح الحوادث المتعمدة و العميل هو المسئول. و هي بذلك تحمي نفسها من الخسائر الفادحة التي قد تلحقها إذا عبث الناس بسياراتهم ثم طلبوا تصليحها. إذاً هذا البند في العقد سببه (الوحيد) هو حماية الشركة من الأضرار المادية التي قد تلحق بها. و بالتالي لتحل الشركة هذا الإشكال فإنها تحمل (المسئولية) على العميل.
ماذا لو كان تصليح السيارات لا يكلف الشركة شيء على الإطلاق؟ هل كانت ستفرض الشركة هذا البند على العملاء؟ على العكس تماماً. ما سيفعلونه حتما هو أنهم سيقولون للعميل: "من حقك أن تفعل ما يجود به خيالك الخصب بالسيارة و نحن سنتكفل بكافة التصليحات". إن هذا يعطي سمعة هائلة للشركة و يدر عليها مبالغ طائلة.
و عليه، فإن مبدأ (تحميل الغير المسئولية) هو مبدأ أساسه (إخلاء المسئولية) من الطرف الآخر خوفا من التحاق أضرار به هو لم يكن مسئول عنها.
لكن، الله كامل. لا يلتحق به ضرر بأي صورة. و من غير اللائق بقدرته المتناهية المصحوبة بعدله و رحمته المتناهيتين أن (يخلي) مسئوليته من عباده خاصة و أنه لن يخسر أي شيء على الإطلاق إذا تحمل المسئولية هو، فضلاً عن حب عبيده له و عبادتهم له (إذا كان هذا ما يريده) إذا فعل.
و لكني (و بالرغم من كل ذلك ) - افترضت أنه غير مسئول بالمرة عن الإنسان و تصرفاته. و السؤال: "حتى إذا كان الله غير مسئول عنا (و هو ما معناه أن الإنسان هو السبب الوحيد في أنه دخل النار)، ألم يكن الله يعرف أنني سأطلب منه أن أكون مسئولا عن تصرفاتي و أن طلبي هذا سيدخلني النار؟ إذاً فلماذا وافق؟ حتى لو كنت أنا المسئول. لماذا يوافق هو؟ ألا يعرف أنني أحمق و أن مصيري سيء و أنني أطلب هذا الطلب فقط (و فقط) لأنني أجهل مصيري؟ طيب هو يعرف. يمكنه أن ينقذ الموقف ... و هو رحيم كذلاك، بل و أرحم الراحمين، و حكيم أيضاً بل و مطلق الحكمة ... لماذا لا ينقذ الإنسان المسكين هذا؟
إذا طلب طفل صغير من أبيه أن يقفز من الشباك لأنه يريد أن يطير كالشخصيات التي يراها في الكارتون. ماذا يكون رد فعل الأب الذي (يحب) ابنه و (يريد مصلحته)؟ يرفض طبعاً لأنه يعرف أن القفز من الشباك يعني الهلاك. و ماذا نقول في الأب الذي يقول لإبنه (اقفز يابني ... أنت حر، و مسئول عن تصرفاتك)؟ أب غير رحيم بإبنه أو لا يحبه أو الإثنين معاً.
الله (يحبنا) و (يريد مصلحتنا) و كان يعرف أن هناك من عباده من هم ذاهبين للنار، و مع ذلك وافق لهم على طلبهم. أين الرحمة؟
إذا تركت طفل عنده عامين في الشارع و رأيته و هو يجري نحو السيارات المندفعة، ماذا ستفعل؟ هل ستتركه لتدعمه السيارات؟ علماً بأن الطفل حر تماما و لا أحد يقيده. هكذا المفروض أن الله يتركنا إلى النار من دون ما ينقذنا منها و منا نحن انفسنا بتصرفاتنا الحمقاء.
لا يمكن الرد بأن الطفل لا يفهم شيئا و لكننا نحن نفهم. لأننا بالمقارنة بالله لا نفقه أي شيء على الإطلاق. و حالنا بالنسبة له أسوأ ألف مرة من حال الطفل الصغير هذا بالنسبة لأبوه الذي تركه.
الطفل لا يعرف أن السيارة ستدعمه، كذلك الإنسان لم يكن يعرف أنه سيدخل النار. الأب يعرف أن السيارة ستدعمه و تركه، و الله يعرف أننا ذاهبين إلى النار و تركنا بعدما خلقنا هو بنفسه عالماً بكل هذا من البداية و ممتنعاً عن منعه من الحدوث و غير مجبراً على فعله.
يصعب علي شخصياً تصور الله (برحمته المطلقة) وهو يشاهد مليارات الناس و هم يتعذبون أقصى عذاب ممكن لفترة طويلة جداً جداً جدا و يصرخون و يستغيثون من العذاب و الله لا يحرك لهم ساكناً.
لو إنسان عادي (لن نقول رحيم) شاهد إنسان يتم تعذيبه في جهنم. سيبكي حزناً لما يراه و إذا أتيحت له الفرصة أن يخرجه، سيخرحه فوراً. و هذا إنسان. المفروض أن الله أرحم منه بكثير جدا.
نعود للأسئلة:
س: من أنت لتقول الله المفروض يفعل كذا أو كذا؟ و ما دخلك أنت بشؤون الله لتعدل عليه؟ دع الخلق للخالق.
ج: هذا السؤال يفترض أن الشخص المطروح عليه السؤال مؤمن بالله و لكنه يتبجح و يعترض على قوانينه و يحاول أن يقحم نفسه فيما لا يقدر عليه. و لكن من قال هذا؟
لو كنت متأكداً من وجود الله، لما ناقشته في أي شيء و لما احدثت جلبة و لا غيره. الجلبة سببها أني لا أؤمن بوجوده و أحاول أن أجد أسباباً منطقية تساعدني على ذلك. و إذا لم تكن الأسباب منطقية، فلا تلوموا عابدي الأصنام و الشمس و النار على شيء. إن كانت تصرفاتهم غير منطقية بالنسبة لك، فأنت أيضاً تصرفاتك غير منطقية بالنسبة لهم. و بحسب منطقك، لا ينبغي لكل شيء أن يكون منطقي و ليعبد كل من شاء ما شاء. كما أنني لا أعدل و لا أقترح، أنا أقول، إذا كان الله رحيم، فلماذا لم يفعل كذا بناء على رحمته؟ بمعنى آخر، كيف تفسر لي كون الله رحيماً علما بأنه كذا كذا (أشياء مناقضة للرحمة)؟
إذاً هو ليس تعديل. هو تسائل مبني على تناقض ...
الدين بالعقل. و ليس الدين فقط، و إنما كل شيء. و إذا كان هناك أشياء لا نستطيع أن نعقلها فيجب أن تكون هذه الأشياء غير حيوية في مشوار تصديق الإنسان و قبوله لفكرة الله. لو كنت أنا مثلاً مقتنع أن الله عادل و رأيت العدل فعلاً و عقلته و رأيت أنه لا يتناف مع العدل الذي أفهمه أنا فعلاً، فهذا شيء مطلوب. و إن تحقق زاد إيماني بالله. و لكن هناك أشياء لا أريد أن أفهمها مثل من خلق الله؟ لا يهمني هذا، و لماذا الله قوي كل هذه القوة؟ و متى تقوم الساعة؟ و كيف خلق الله الشمس؟ هذه هي الأشياء التي يمكن الاستغناء على أساس أن الأشياء الأساسية الأخرى التي تعد بمثابة أساس العقيدة مجاب عنها و لها تفسيرات منطقية.
نهاية الإشكال الأول.
بانتظار الردود.